الصفحات

الأربعاء، 9 أغسطس 2017

كيف تسوّق نفسك؟

كيف تسوّق نفسك؟

مقالي في صحيفة مال يوم الأربعاء 9 أغسطس 2017 

لا أظن نفسي الشخص الوحيد الذي تستفزه رسائل "الواتساب" التي تدعي النصح والإرشاد وهي مليئة بالمغالطات أو تلك التي تستخدم المصطلحات العلمية ومحتواها بعيد كل البعد عنها. ما دعاني لكتابة هذا الموضوع هو رسالة واتسآب من أحد الأصدقاء عنوانها "كيف تسوّق نفسك؟" بعثها إلي وهو ينتظر مني أن أقوم بالثناء عليها ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي. ولكني أحببت أن أقدم له هذا المقال لتوضيح بعض الأمور المتعلقة بعنوان رسالته الكريمة.

أولاً، هل يوجد هناك ما يسمى بتسويق النفس أو تسويق الذات؟ نعم، علم التسويق يهتم بتسويق المنتجات وكما قالفيليب كوتلر أنواع المنتجات كثيرة وتشمل السلع والخدمات والأفكار والأحداث والخبرات والوجهات والأشخاص والمؤسسات والمعلومات والملكيات كالعقارات والأوراق المالية. وموضوع اليوم هو صورة من صور تسويق الأشخاص. إذن أين المشكلة؟ المشكلة هي أن الرسالة ناقشت أمور مثل إنشاء بريد إلكتروني مميز وكتابة سيرة ذاتية بطريقة مميزة وإنشاء موقع على الإنترنت وإرسال السيرة الذاتية لعدد كبير من الجهات واختزلت التسويق فيها. 

التسويق باختصار هو علم يعنى بخلق القيم (المنافع) ولذلك هو يبدأ التسويق قبل عملية الانتاج. ويمكن أن نقول ببساطة أن التسويق يقودنا إلى صنع ما نستطيع بيعه لا بيع ما نستطيع صنعه لأن الثانية أكثر جهداً وتكلفة وهي ما يسمى بعرف الباعة "تصريف البضاعة" أو الترويج المكثف إما بتخفيض الأسعار أو كثرة الإعلانات هو بالتحديد ما تحدثت عنه الرسالة فهي ركزت على الإعلان عن نفسك وبناء الرسالة دون التركيز على خلق قيمة لنفسك. وهذه الممارسات يجب أن تتوقف وأن تقوم مكانها ممارسات صحية قائمة على خلق القيم. 

ثانياً، ما هو تسويق الذات للوظيفة، إذن؟ تسويق الذات للطلاب يبدأ قبل مرحلة التخرج من الجامعة (الانتاج) أو ما يسمى بتطوير المنتج. ولكي يطور الطالب نفسه عليه معرفة قدراته وميوله وقد يعينه على ذلك مقياس الميول المهنية الخاص بالمركز الوطني للقياس "قياس" ومن ثم يحاول معرفة منافسيه كيف ميزوا نفسهم وهل هناك انكباب كبير على تخصصات معينه وبعدها يحاول معرفة الشركات الموظفة وما هي متطلباتها ورغبتها وتوجهاتها المستقبلية وخططها الاستراتيجية. إذن، لكي أسوق نفسي أقوم بتطوير نفسي من خلال معرفة ميولي وقدراتي التي تساعدني في النجاح في التخصص والتميز عن أقراني والحصول على المؤهل الذي تحتاجه الشركات.

ثم يقوم الطالب بدراسة الشركات المستهدفة حيث يساعده ذلك في خلق قيمة لنفسه. ويبدأ ذلك في تقسيم السوق إلى قطاعات أو تقسيم جغرافي أو تقسيم حسب بيئة العمل. مثلاً، الشركات الكبرى التي أرغب الالتحاق بها هي البنوك أو شركات الاتصالات أو شركات أو الجامعات. ويبدأ الطالب بدراسة كل جهة على حدى لكي يحد الجهة المستهدفة من تسويق نفسه بشكل دقيق ويقوم ببناء سيرته الذاتية بشكل مميز يدعم الحاجات والتطلعات المستقبلية لهذه الجهات.
وأقصد ببناء سيرته الذاتية ليس كتابتها بل بناء ما يكتب فيها. مثلاً، لو كنت تستهدف القطاع المصرفي ووجدت أن توقعات هذا القطاع وحاجته لطلاب متميزين علميا في التخصصات مالية وإدارية مجيدين للغة الإنجليزية والحاسب ومهارات التواصل. إذن، عندما يتخرج الطالب بمعدل متوسط وهو يعلم قوة المنافسة على تخصصه وتجد نصف سيرته الذاتية تتحدث عن معلوماته الشخصية ويتخرج وهو لا يعلم ما هي الجهات المستهدفة لتوظيفه ولم يحصل خلال فترة دراسته على دورات مرتبطة بمجال توظيفه فهو لم يسوق نفسه. وبعد القيام بهاتين المرحلتين يصح لنا أن نتحدث عن التسعير و الترويج. قوة التفاوض لدى الطالب للجهات الموظفة تكون بحسب ما يملكه من نقاط القوة. وترويج الطالب لنفسه مهم جدا وأتمنى أن لا يفهم من مقالي هذا التقليل من أهمية الخطوات التي ذكرتها رسالة الواتسآب ولكن ما أردت قوله هو مكانها الصحيح يأتي بعد تطوير المنتج بشكل يسهل علينا عملية الترويج بشكل صحيح وليس تصريف البضاعة بأقل سعر وبجهد عالي ووقت طويل.

عادة عندما أتحدث عن هذا الموضوع أجد ردود الناس تتركز في ثلاث محاور: الواسطة في التوظيف وقلة الوظائف والتخصص الذي كنت أرغب فيه لم يكم متاحاً لي في التسجيل. وأريد أن أقول بشكل عام هذه كلها دليل على شدة المنافسة  لذلك فهي تزيد من أهمية ما قلت ولا تضعفه لذلك اصنع لنفسك واسطة من خلال تسويقك لنفسك وفكر في خلق أسواق جديدة وسوق نفسك لك مرحلة بشكلها المناسب فمن يتخرج من الثانوية بمعدل متوسط بالتأكيد سيجد صعوبة كبيرة لكي يجد لنفسه مكانا في التخصصات القوية والمطلوبة بسوق العمل.

الحديث عن هذا الموضوع يطول ولا تكفي مقالة لمناقشته ولكني أحببت أن أقدم إشارات في هذا الموضوع. وفي الختام، التسويق هو عمل دائما لا ينتهي فتطوير الذات عملية مستمرة لا تتوقف ومتى توقف الإنسان عن تطوير نفسه بدأت مرحلة الانحدار حتى لو كان في القمة لفترة طويلة ولعل شركة نوكيا أكبر مثال على ذلك.

هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع
    ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستفادة من الخبرات والاستعانة بمحترفين وخبراء في اي مجال تنوي العمل فيه، حيث ان المبتدئ ليس مطلوب منه اضاعة الوقت في امور بعيدة عن مجاله وبدلا من ذلك من الافضل له الاستعانة بخبرات وبقاء تركيزه في الامور التي يحبها
    وهناك العديد من الشركات العربية التي تقدم استشارات مجانية فيما يخص المشاريع التي تحتاج لللانتشار عبر الانترنت ومن امثلتها www.kuwaitcoding.com

    ردحذف